صعود شينجيانغ..معجزة الصين المقبلة..

تاريخ الإضافة الجمعة 19 نيسان 2024 - 6:58 ص    التعليقات 0

        

صعود شينجيانغ..معجزة الصين المقبلة..

«الجريدة•» تعود لمنطقة الإيغور..البوابة البرية لـ «الحزام والطريق»..

الجريدة.. شينجيانغ - شربل بركات ...استخدم مصطلح «صعود الصين» على نطاق واسع، للإشارة إلى النمو الكبير والسريع للصين على الساحة العالمية. وفي وقت لا يزال الاقتصاد العالمي يكافح من أجل التعافي بعد جائحة كوفيد، وما تبعها من هزات جيوسياسية مع عودة «لعبة القوى الكبرى» واندلاع الحرب في أوكرانيا على حدود أوروبا وفي الشرق الأوسط، تجد الصين نفسها أمام تحديات اقتصادية حقيقية ومتنوعة، فيما تلقى منطقة شينجيانغ في شمال غرب الصين اهتماماً متزايداً على اعتبار أنها قد تشهد المعجزة الصينية المقبلة تنموياً واقتصادياً. وبالتزامن مع عيد الفطر المبارك، زارت «الجريدة» للمرة الثانية في أقل من عام، منطقة شينجيانغ الإيغورية ذاتية الحكم، للمشاركة في جولة إعلامية مع وفد دولي ضم إعلاميين وكتابا ومؤثرين من عدة دول، بينها الكويت والسعودية والبحرين وعمان والمغرب، وكندا وأستراليا والسويد وتايلند ودول من آسيا الوسطى. وشملت الزيارة لقاءات مع مسؤولين من مختلف المستويات، وندوات ومحاضرات مع خبراء في الأمن والاقتصاد والتاريخ، وزيارات ميدانية لبعض منشآت الخدمات العامة والمشاريع التنموية، فضلاً عن المشاركة في احتفالات عيد الفطر التي يحتفظ مسلمو المنطقة بتقاليدها منذ مئات السنين. سرديتان تعيش في الصين 56 قومية غالبيتهم من قومية الهان، وهذه القوميات موجودة كلها في شينجيانغ، التي تسكنها نحو 25 مليون نسمة، أقل من نصفهم بقليل من الإيغور، والجزء الثاني من الهان، مع وجود أقليات صغيرة من باقي القوميات، بما في ذلك العرقية المنغولية والطاجيك وغيرهم، وقد ارتبط اسم شينجيانغ بالحملة التي شنتها الصين في 2017 للقضاء على الإرهاب، بعد أن عانت المنطقة لمدة عقود من تمرد انفصالي لمجموعات إسلامية متشددة. ووجهت اتهامات للصين بقمع الأقلية الإيغورية، وإقامة معسكرات لغسل أدمغة الإيغور ودفعهم للتخلي عن دينهم، وإجبارهم على العمل قسرياً، والقضاء على ثقافتهم، وإبعاد أسر إيغورية عن بعضها، و«سرقة» الأطفال الإيغور. راقصة إيغورية (تصوير واتشارين سيتاكودان) وتنفي الصين هذه الاتهامات، وتقول إن تدابيرها للقضاء على الإرهاب كانت خاضعة للقوانين المحلية والدولية، وإنها معنية بالحفاظ على حقوق الإنسان وحرية المعتقد في شينجيانغ، وتشدد على أن المنطقة دخلت في تنمية اقتصادية متسارعة لجلب الازدهار، ورفع المستوى المعيشي للسكان. لم تشهد المنطقة التي عانت من العمليات الإرهابية منذ عقود أي هجوم إرهابي منذ عام 2017، رغم ذلك استمرت الانتقادات من للأساليب التي اعتمدتها السلطات الصينية، لكن مع الوقت خصوصاً في السنتين الماضيتين أصبح اسم شينجيانغ مقروناً أكثر فأكثر بمشروع النهضة الاقتصادية، والتي يبدو أن السلطات المحلية والوطنية متمسكة بإنجازه، حيث حققت شينجيانغ نسبة نمو تصل الى 6.3 في المئة في عام 2023، واحتلت المرتبة الأولى في النمو بين المحافظات الصينية. لماذا شينجيانغ مهمة؟ تتمتع شينجيانغ، أكبر منطقة إدارية في الصين، والتي تبلغ مساحتها حوالي 1.6 مليون كيلومتر مربع، أي ما يعادل تقريبا مساحة فرنسا وإسبانيا وألمانيا والمملكة المتحدة مجتمعة، بأهمية جغرافية كبيرة بالنسبة للاقتصاد الصيني لعدة أسباب: • الموقع الاستراتيجي: تشترك شينجيانغ في الحدود مع ثماني دول، بما في ذلك روسيا والهند وباكستان والعديد من دول آسيا الوسطى. وهذا يجعلها بوابة لربط الصين وتجارتها مع آسيا الوسطى وصولاً حتى أوروبا، وقد أدى الموقع الاستراتيجي للمنطقة إلى تطوير البنية التحتية للنقل، بما في ذلك الطرق والسكك الحديدية وخطوط الأنابيب، وتسهيل التعاون التجاري والاقتصادي. • الموارد الطبيعية الوفيرة: شينجيانغ غنية بالموارد الطبيعية، بما في ذلك النفط والغاز الطبيعي والفحم والمعادن، وتعتبر هذه الموارد حيوية لأمن الطاقة والتنمية الصناعية في الصين، وتوفر مساحة الأراضي الشاسعة في شينجيانغ أيضا فرصاً للزراعة، وخاصة في إنتاج القطن والحبوب والفواكه. • مبادرة الحزام والطريق (BRI): تعمل شينجيانغ كعقدة رئيسية في مبادرة الحزام والطريق الصينية الطموحة، والتي تهدف إلى تعزيز الاتصال وتعزيز التعاون الاقتصادي عبر آسيا وإفريقيا وأوروبا. • التنوع العرقي والتبادل الثقافي: تعد شينجيانغ موطنا لمجموعات عرقية متنوعة ما يساهم في دورها كمفترق طرق ثقافي ويجذب الزوار والاستثمار في قطاعي الضيافة والسياحة. لقاء مع «القيادة» خلال جولتنا في شينجيانغ أجرى الوفد لقاء غير رسمي مع أمين لجنة الحزب الشيوعي الحاكم في منطقة شينجيانغ الإيغورية الذاتية الحكم ما شينغروي، وهو أرفع مسؤول في المنطقة، ورئيس حكومة منطقة شينجيانغ إركين تونياز، ومسؤولين من مختلف المستويات. وأشار ما إلى التحديات التي تواجهها المنطقة، مثل المناخ والجفاف، حيث تضم المنطقة صحراء تكلامكان التي تعد واحدة من أكبر الصحاري في العالم، لكنه شدد على الحرص على تحقيق التنمية عبر الاقتصاد الشامل. ولفت إلى الإنجازات التي تحققت على المستوى الاقتصادي، واشتكى من الدعاية الغربية التي لا تزال نشطة ضد الصين، معتبراً أنه ليس هناك أي دولة سجلها ناصع في مسألة حقوق الإنسان، واستعان بعبارة للرئيس الصيني شي جينبينغ حول هذا الأمر يقول فيها: «ليست هناك طريقة فضلى... هناك فقط طرق أفضل من غيرها». إيغور يحتقلون بعيد الفطر في بازار أورموتشي شارك الوفد في عدة محاضرات وندوات، بينها محاضرات تاريخية اضاءت على التاريخ المتنوع الاثني والديني لشينجيانغ والجذور التاريخية لتشكل قومية الإيغور. وإلى جانب الأديان المحلية، اعتنق سكان المنطقة، البوذية والإسلام، كما انتشرت في مرحلة ما على نطاق ضيق المسيحية النسطورية، وهي مذهب مسيحي سوري ـ عراقي. وشدد المحاضرون على أن هذا التاريخ المتنوع كان أحد روافد صياغة مبدأ حرية المعتقد في شينجيانغ، الذي ينص على ضرورة حماية حرية المعتقد بما في ذلك حرية الالحاد، وضرورة أن تكون الدولة الراعية والضامنة لهذه الحرية. في محاضرات أخرى تم التطرق إلى ما تسميه السلطات الصينية حرب المعلومات، مفندة الكثير من التقارير والاتهامات الغربية باعتبارها أخبارا ًكاذبة. في إظهار لحرص السلطات بتقديم خدمات عامة ذات جودة عالية، تم اصطحاب الوفد إلى مستشفى حكومي من المستوى الأول في مدينة كاشغر، والذي يضم مرافق طبية متطورة، أحدها مركز التشخيص عن بعد الذي يسمح بالوصول الى مناطق نائية، كما تفقد الوفد حضانة نموذجية في مدينة كورلا، تظهر اعتماد أفضل المناهج والأساليب التربوية الحديثة. في المدينة نفسها، زار الوفد مركزا سكنياً للمتقاعدين، يقدم تسهيلات وأنشطة متنوعة لمن أنهى الخدمة العامة. وخلال تنقلنا بين ثلاث مدن رئيسة هي اورموتشي عاصمة المنطقة، وكاشغر أهم مركز سياحي فيها، وكورلا المدينة النفطية الحديثة التي تعرف كذلك بمدينة الإيجاص، كان بالإمكان ملاحظة مدى تطور الخدمات العامة، مثل الطرقات والساحات العامة. التنويع والذكاء الصناعي تسعى شينجيانغ الى تنويع اقتصادها للوصول الى الاقتصاد الشامل، فالقطاع السياحي ينمو باطراد. وفي عام 2023، زار شينجيانغ نحو 250 مليون سائح محلي وأجنبي. وقد رصدت «الجريدة» زيادة ملحوظة في غضون أشهر قليلة بالمرافق السياحية في كاشغر، التي تلقب بياقوتة طريق الحرير، والتي تضم مسجد عيدكاه التاريخي، أكبر مسجد في الصين، والمدينة القديمة التي تحولت الى مقصد سياحي بعد تجديدها. وتؤمن شينجيانغ نحو 80 في المئة من حاجة الصين للقطن. وقد زار الوفد مصنعاً حديثاً للقطن، وكذلك مشروعاً رزاعياً يعتمد أحدث الوسائل التكنولوجيا الحديثة والذكاء الصناعي، حيث تقوم الدرون بمراقبة الآفات ورش المبيدات، ويعمل مركز للبيانات على رصد حالة التربة والمناخ لتحديد أفضل وقت للبذر والحصاد. وتفقد الوفد مزرعة للطاقة الشمسية في يولي تساعد في تأمين الطاقة النظيفة فيما تسعى السلطات للوصول الى الحياد الكربوني بحلول 2040. وفيما تم تطوير الميناءين البريين الرئيسيين في شينجيانغ في مدينتي هورغوس وألاشانكو، واللذين تنطلق منهما أكثر من 7 الاف رحلة قطار شحن بين الصين وأوروبا، تفقد الوفد منطقة تجارية حرة في كاشغر، لاستيراد وتصدير السلع، تتمتع بمزايا خاصة مع مركز للتخليص الجمركي الشامل لتقليل وقت عبور البضائع. 5 ملاحظات يمكن للمراقب تسجيل عدة نقاط توضح الأسباب التي تقف على الأرجح وراء هذا التمسك بتطوير شينجيانغ، وفيما يلي خمس ملاحظات استراتيجية قد تكون المحرك الرئيسي للجهود في شينجيانغ: أولاً: نهوض شينجيانغ يضخ دماء في أروقة مبادرة الحزام والطريق مع ما تمثله المنطقة من بوابة برية لها وصلة بين شرق الصين وقلب آسيا. ثانياً: نمو شينجيانغ سيكون له تأثير إيجابي على اقتصاد الصين الذي يواجه تحديات. ثالثاً: أعادت الأزمتان في البحر الأسود والبحر الأحمر الاعتبار لطرق الشحن البري، ومن هنا يبرز دور متزايد لشينجيانغ كمركز تجاري مهم ونقطة عبور للبضائع من الصين وإليها. رابعاً: زيادة الاهتمام بشينجيانغ يعكس الأهمية المتزايدة التي تبديها بكين لدول آسيا الوسطى المنتجة للطاقة، والتي تمثل سوقا استهلاكيا كبيرا، وذلك مع انحسار نفوذ روسيا التقليدي. خامساً: وقوع معظم الحدود المتنازع عليها بين الصين والهند في محاذاة شينجيانغ يحتم على بكين الاهتمام ببناء اقتصاد قوي فيها لأسباب متعددة، بينها محاولة نيودلهي بناء مشاريع اقتصادية عملاقة في المنطقة الحدودية.

هل تصبح تجربة الصين في شينجيانغ مرجعاً لمكافحة الإرهاب؟

7 حقائق في حرب المعلومات حول مدخل الطاقة إلى الصين

الجريدة.. شينجيانغ - شربل بركات ...لقد قرع الهجوم الإرهابي الذي وقع في موسكو الشهر الماضي الجرس في بكين، خصوصاً أنه تزامن مع هجمات شنها الانفصاليون البلوش المتشددون، ضد مناطق باكستانية حيوية في الممر الاقتصادي الصيني - الباكستاني. وزاد من اهتمام بكين أن منفذي الهجوم على قاعة كروكوس في العاصمة الروسية مهاجرون من طاجيكستان، التي تجمعها حدود مشتركة مع روسيا ومنطقة شينجيانغ شمال غرب الصين التي تسكنها الأقلية الايغورية المسلمة والتي كانت منذ عقود مسرحاً لحركة تمرد انفصالية قادتها مجموعات إسلامية متشددة، وقد شهدت هجماتها تصاعداً في فترة ما يعرف اصطلاحاً بالربيع العربي خصوصاً عام 2014 الذي سجل عدداً قياسياً في الهجمات. وأظهرت العمليات الإرهابية الأخيرة في باكستان وموسكو إلى جانب ارتفاع في منسوب الأنشطة الإرهابية في عدة مناطق حول العالم، أن خطر الإرهاب قد يقفز مجدداً إلى واجهة الساحة الدولية. تأتي التحذيرات العالمية من «استفاقة إرهابية» في وقت يشهد النظام العالمي فوضى وانهيارات في المنظومات والأعراف التي تحكمت إلى حد بعيد في العلاقات بين الدول منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وقد تجسد ذلك في غزو دول واقتحامات لسفارات وهجمات على مقار دبلوماسية، وذلك على سبيل المثال لا الحصر. وفي الوقت نفسه، يضع التنافس الجيوسياسي ضغوطاً وقيوداً على التنسيق الأمني والاستخباري والعلاقات العسكرية بين الدول، وقد رأينا سيناريو خطر هذا القصور، عندما فضلت موسكو، مدفوعة بتدهور علاقاتها مع واشنطن، تجاهل التحذيرات الأميركية من هجوم إرهابي وشيك على قاعة كروكوس للحفلات. وتقول الصين إنها لا تزال تتعرض لحرب معلومات من قبل الولايات المتحدة والغرب منذ أن أطلقت عملية منهجية لاقتلاع الإرهاب من شينجيانغ قبل نحو 7 أعوام. ويشير المسؤولون الصينيون إلى أن الغرب يشن حملة تضليل ليس بين أهدافها حماية الأقلية الايغورية المسلمة. ويعتقد هؤلاء المسؤولون ان الحملة الغربية هي مجرد سلاح في معركة على النفوذ، وأن شينجيانغ مفتاح طريق الحرير القديم ومفتاح الطريق البري لمبادرة الحزام والطريق، مستهدفة كونها بوابة دخول موارد الطاقة الى الصين من دول آسيا الوسطى كما أنها البوابة البرية لخروج البضائع الصينية إلى آسيا الوسطى ثم تركيا فأوروبا. ولا يترك المسؤولون الصينيون مناسبة للتذكير بأنهم لن يتوانوا يوماً عن دحض الدعاية الغربية السلبية التي تنجح بالحد الأدنى في خلق تساؤلات، سواء لدى الرأي العام الغربي أو في العالم الإسلامي حيث من الطبيعي أن يتفاعل المسلمون بغضب لدى تعرض أي أقلية مسلمة للظلم أو القمع. لم يترك المسؤولون الصينيون طريقة لمواجهة ما يطلقون عليه السردية الغربية المعادية إلا واعتمدوها، حيث قدموا مئات الآلاف من الوثائق والبيانات والحقائق حول روايتهم لما جرى حقيقة في شينجيانغ. ويمكن لأي باحث العثور على أطنان من هذه المعلومات الموثقة التي تظهر أن الكثير من جوانب الرواية الغربية يفتقر إلى الدقة، بل إن أجزاء أساسية من هذه الرواية قائم فعلاً على تضخيم ومبالغات لا يمكن أن تصمد بأي حال أمام الواقع. وعلى مدى أعوام دعت الدولة الصينية والسلطات المحلية في منطقة شينجيانغ الآلاف من الوفود التي تضم صحافيين وإعلاميين وأكاديميين ومؤثرين من كل دول العالم إلى شينجيانغ لمعاينة الواقع والخروج باستنتاجات وخلاصات خاصة بهم حول ما جرى ويجري فعلياً هناك. وللمرة الثانية في أقل من عام زارت «الجريدة» شينجيانغ بدعوة من السلطات المحلية. وخلال الزيارة، قال مسؤولون صينيون من عدة مستويات ومحاضرون مختصون وخبراء إن الصين اعتمدت حلاً متعدد المستويات لاقتلاع الإرهاب. فقد عززت نظام الحكم الذاتي في شينجيانغ حيث ينتخب السكان حكومتهم وسلطاتهم المحلية بأنفسهم لمعالجة أي مظالم سياسية. وقامت بإعادة تأهيل عشرات الآلاف من الشباب الإيغوري الذي وقع ضحية الخطاب المتطرف. وتشددت في تطبيق القوانين واللوائح ومنعت التسامح مع أي مخالفات خصوصاً فيما يتعلق بفرض وصاية على المجتمع من قبل أشخاص لا سلطة لهم للقيام بذلك. ووضعت السلطات أطراً تشريعية واسترشادية لضبط آليات محاربة الإرهاب، مثل الكتاب الأبيض حول حرية المعتقد ويحوي منطلقات ضمان حرية المعتقد في شينيجيانغ، وقد تمت مراجعة قانون مكافحة الإرهاب الخاص بشينجيانغ في 2018، في وقت هناك أكثر من 10 قوانين ولوائح وطنية ومحلية تضبط الإطار القانوني لمكافحة الإرهاب. وتم إطلاق خطة لا تزال مستمرة وقد حققت حتى الآن نجاحاً لتحسين اقتصاد شينجيانغ، للقضاء على الفقر الذي يعد بيئة منتجة وحاضنة للتشدد، وتحسين الخدمات العامة لسد أي ثغرة تسبب الحرمان الذي يحفز على التطرف، والحرص الشديد على حكم القانون لمعالجة غياب العدالة أحد محركات التشدد. وجعلت الصين من تراث الإيغور الثقافي إرثاً غير مادي محمياً، وحولت هذا التراث بكل اشكاله إلى مصدر رزق لآلاف المسلمين الإيغور الذين اندمجوا في الدور السياحي الذي باتت تلعبه بامتياز أبرزها مدينة كاشغر الايغورية التاريخية بوابة دخول الإسلام إلى الصين. في المقابل، ركزت الغرب انتقاداته على معسكرات التأهيل التي عملت بنشاط على إعادة تأهيل عشرات آلاف الايغور قبل أن تقفل الصين آخرها في 2019. وبحسب العديد من التقارير الغربية، فإن هذه المعسكرات كانت معتقلات تعذيب لغسل أدمغة الشباب الايغوري وكسر إرادته وإبعاده عن دينه، بينما تؤكد الصين أن الهدف منها كان التثقيف بمبادى الدستور الصيني والقوانين السارية وإعداد الشباب مهنياً لتحسين تراتبيتهم الاجتماعية. وتؤكد التقارير الغربية أن الصين تضع قيوداً شديدة على الحياة اليومية للإيغور وحق ممارستهم للطقوس الدينية. تنفي الصين كل ذلك وتقول أن وجود الكثير من المساجد واحتفال المسلمين بأعيادهم يدحضها. لقد أصبح عمر حرب المعلومات هذه بين الصين والغرب أكثر من 7 سنوات واستخدمت فيها أحدث تكتيكات وأساليب التأثير على الرأي العام عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها. لكن في خضم كل ذلك يمكن الإشارة إلى بعض الحقائق التي تقف على ارض ثابتة ومنها: 1 - لم تقع عمليات إرهابية ذات وزن في إقليم شينجيانغ منذ بدء تطبيق خطة مكافحة الإرهاب في 2017. وقد تراجعت القبضة الأمنية إلى حد كبير ويمكن لأي زائر أن يرى غالبية نقاط الشرطة في الأحياء والشوارع التي استحدثت في ذروة الأزمة قد أضحت خالية. 2 - لقد تحسنت الحالة الاقتصادية في شينجيانغ بطريقة ملحوظة وفق البيانات الوطنية والمحلية التي أظهرت أن الإقليم حقق نسبة نمو تصل إلى 6.8 في المئة في عام 2023 ليحتل بذلك المرتبة الأولى على مستوى أقاليم الصين. 3 - تم الارتقاء بالخدمات العامة في شينجيانغ ويظهر ذلك بشكل ملموس في القطاعات الاستشفائية والسكنية والمواصلات العامة وصيانة البنى التحتية وكافة المجالات التي تغطيها الخدمات العامة. 4 - على الصعيد الاجتماعي، لقد تعززت الحريات الفردية غير السياسية، وحظيت المرأة بالنصيب الأكبر من هذه الحريات ويمكن رؤية ذلك في الحضور الكثيف والواثق للايغوريات في سوق العمل. 6 - إن حكومات الدول المسلمة المسؤولة عن حاضر ومستقبل مئات ملايين المسلمين، وخصوصاً تلك التي خاضت أو لا تزال تخوض معركة مع الإرهاب، لا تتحدث عن تعرض الأقلية الايغورية لإبادة فعلية أو إبادة ثقافية، ولا تتبنى الاتهامات التي توجهها الحكومات أو وسائل الإعلام الغربية للصين. 7 - تآكل الثقة بالغرب فيما يخص البوصلة القيمية والأخلاقية، بما في ذلك لدى وسائل الإعلام الغربية، يخلق رد فعل مناهضاً لأي سردية غربية بغض النظر عما إذا كانت هذه السردية واقعية أو وهمية وهذا ينطبق إلى حد بعيد على حالة شينجيانغ. أمام حقائق كهذه يجد المراقب المحايد نفسه أمام حاجة لإعادة صياغة الاسئلة أو ربما طرح اسئلة جديدة حول إمكانية الاستفادة من النموذج الصيني ومن إيجابياته في مكافحة الإرهاب. واذا كانت الحرب على الإرهاب التي أُطلقت بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 خلفت نتائج يجمع الكثيرون على أنها سلبية وغير فعالة خصوصاً في حالتي العراق وأفغانستان، فإن السؤال الأساسي الذي طرحه هذا المقال حول إمكانية أن يتحول النموذج الصيني في مكافحة الإرهاب إلى مرجعية، يصبح مشروعاً.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,037,598

عدد الزوار: 6,976,292

المتواجدون الآن: 76