آمال كبيرة: مستقبل الإنفراج الإيراني–السعودي...
آمال كبيرة: مستقبل الإنفراج الإيراني–السعودي...
مجموعات الازمات الدولية..طهران/ الرياض/واشنطن/بروكسل، 13 حزيران/يونيو 2024..
لقد كان التقدم في استعادة العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية متقطعاً لأكثر من عام بعد المصالحة التي توسطت الصين في التوصل إليها. من أجل استئناف هذا التقدم، سيتعيَّن على الدولتين احتواء خلافاتهما، وأن تعملا في الوقت نفسه على إحراز تقدم في المجالات غير السياسية.
ما الجديد؟ منذ استأنفت إيران والمملكة العربية السعودية علاقاتهما في آذار/مارس 2023، عيَّنت كل من الدولتين الخصمين سفيراً لدى الدولة الأخرى، وأقامتا السفارات وتبادلتا الزيارات رفيعة المستوى؛ لكن يبدو أن إحراز مزيد من التقدم توقف وسط خلافات بشأن أوجهٍ مهمة للعلاقة الدبلوماسية التي أعيد إحياؤها.
ما أهمية ذلك؟ يأتي التعاون الأولي القائم اليوم بين طهران والرياض في أعقاب فترة من العداء العميق. إذا لم تبنِ الدولتان على الاتفاق الذي تم التوصل إليه عام 2023، يمكن أن تعودا إلى الضغائن، الأمر الذي سيفضي إلى حوادث خطيرة شبيهة بهجوم عام 2019 على المنشآت النفطية في السعودية.
ما الذي ينبغي فعله؟ رغم الخلافات، ينبغي على طهران والرياض الشروع ببناء الثقة من خلال التعاون في مجالات مثل الصحة، والثقافة والبيئة. يمكن لعلاقات أفضل أن تسهِّل زيادة الانخراط الاقتصادي، الذي يمكن أن تقدمه السعودية مقابل تغيرات في سياسات إيران النووية والإقليمية، رغم أن مثل ذلك العرض سيتطلب على الأرجح مشاركة أميركية.
لمحة عامة
لقد وصلت إيران والسعودية إلى حالة من السكون في استعادة العلاقات الكاملة بحسب الاتفاق الذي تم التوصل إليه بوساطة صينية، الأمر الذي يخاطر بالعودة إلى العداء المفتوح في شرق أوسط مضطرب أصلاً. وضع الاتفاق، الذي تم التوصل إليه في آذار/مارس 2023، إطاراً زمنياً لإعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية، والتأكيد على المبادئ المتبادلة في عدم التدخل وسلامة الأراضي، والتأكيد على التزام الطرفين باتفاقيتي تعاون سابقتين، ووعد باستكشاف مجالات جديدة يمكنهما العمل فيها معاً. لكن بعد مضي أكثر من سنة، لم يفعل الطرفان، باستثناء فتح السفارتين وتيسير حج الحجاج الإيرانيين، شيئاً يذكر لتوسيع علاقاتهما. سيتطلب تحقيق التقدم تقسيماً للمسارات. إذ لن يكون التقدم إلى الأمام ممكناً إذا توقعت الرياض أن تقوم طهران أولاً بقطع علاقاتها مع حلفائها في الشرق الأوسط في غياب ضمانات أمنية. ولا يمكن لذلك أن يتحقق إذا اعتقدت إيران أن السعودية وحلفاءها العرب في الخليج سينهون شراكتهم الأمنية مع الولايات المتحدة. لكن خفض سقف تلك الآمال من شأنه أن يسمح بالتعاون في مجال التجارة غير الخاضعة للعقوبات، ورحلات الطيران التجاري، والتبادل الطلابي والصحة العامة – الأمر الذي يساعد في بناء الثقة واحتواء التوترات الإقليمية.
لقد كانت العلاقات بين إيران ذات الأغلبية الشيعية والسعودية ذات الأغلبية السنية متوترة منذ وقت طويل. فطهران والرياض خصمان قديمان يتنافسان على الهيمنة الإقليمية وقيادة الإسلام، الأمر الذي يغذي توترات طائفية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. لقد كان البلدان على طرفين نقيضين في عدة حروب إقليمية، بما فيها الحرب الأحدث في اليمن. حدث الانقطاع الأخير في العلاقات الدبلوماسية في عام 2016، بعد أن أعدمت السعودية رجل الدين الشيعي الشيخ نمر النمر، الأمر الذي دفع حشداً من الرعاع إلى نهب السفارة السعودية في طهران. ارتفعت حدة التوترات بعد إطلاق الولايات المتحدة حملة “الضغوط القصوى” في الإجراءات الاقتصادية القسرية ضد إيران في عام 2019، وبلغت أوجها في الهجمات على البنية التحتية النفطية في السعودية في وقت لاحق من ذلك العام، التي حمَّلت الرياض وواشنطن مسؤوليتها لطهران. لكن في عام 2021، بدأت الدولتان حواراً متقطعاً يهدف إلى خفض التصعيد. في 10 آذار/مارس 2023، وبدفع قوي من الصين، وافقتا على استعادة العلاقات الدبلوماسية والعمل نحو تعزيز العلاقات بينهما.
على مدى الشهور التالية، أعادت الدولتان فتح سفارتيهما، وانخرطتا في عدد من التبادلات رفيعة المستوى ووسعتا الشروط التي يمكن للمسلمين الإيرانيين أن يحجوا في ظلها إلى الأماكن المقدسة في السعودية. لكن التقدم بات متقطعاً مع إخفاقهما في معالجة مجالات النزاع العالقة. من منظور طهران، فإن السعوديين يماطلون في الوفاء بوعودهم بتعزيز العلاقات الاقتصادية بينما ما يزالون يستبعدون إيران من النقاشات المتعلقة بالأمن الإقليمي. ومن وجهة نظر الرياض، فإن إيران لم تفعل شيئاً يذكر لوقف دعمها للمجموعات غير الدولتية في الشرق الأوسط التي تمارس من خلالها نفوذها الإقليمي، ولا سيما في اليمن، حيث يشكل دعم طهران للحوثيين مصدر قلق قديم.
من أجل تعزيز الانفراجة المترددة بينهما، سيتعين على البلدين إيجاد سبيل لاحتواء خلافاتهما – حتى تلك التي بدا أنها عولجت في اتفاق عام 1923 – بينما يعملان على تحقيق التقدم في الأجزاء الأقل إشكالية في علاقتهما. على السعودية ألَّا تأخذ التقدم رهينة لإصرارها القديم على أن تخفض إيران مستوى علاقاتها مع حلفائها غير الدولتيين دون أن تقدم لها ضمانات أمنية بالمقابل. وينبغي على إيران، من جهتها، أن تدرك أن السعودية وحلفاءها سيستمرون في الاعتماد على شركاء خارجيين، ولا سيما الولايات المتحدة، في أمنهم.
ويمكن أن يلي ذلك إجراءات بناء ثقة. على سبيل المثال، ينبغي على السعودية وحلفائها إشراك إيران في النقاشات الدائرة بشأن الأمن الإقليمي والإسهام في محادثات بشأن كيفية تسوية المأزق النووي الإيراني. كما ينبغي على الدولتين تعميق تعاونهما في المجالات الأقل سياسية، مثل تعزيز التجارة غير الخاضعة للعقوبات، وتيسير التبادلات الأكاديمية وتحسين الحوار بشأن الصحة العامة والهواجس البيئية. كخطوة أولى، ينبغي على طهران والرياض أن تؤسسا مجلساً للتعاون المشترك لوضع خطط محددة ذات أطر زمنية، لتقديم عائدات ملموسة ومنح الزخم لإعادة بناء العلاقات. وقد تشمل هذه العائدات مشاريع اقتصادية رائدة، مثل إقامة مشاريع مشتركة أو ضخ استثمارات سعودية في مشروع إيراني متفق عليه. وبالمقابل، يمكن للتقدم المتحقق على هذه الجبهة أن يفتح المجال أمام تفاهم ثلاثي تشارك فيه الولايات المتحدة، تقيِّد فيه إيران فرض قوتها الإقليمية وبرنامجها النووي مقابل إعفاءات أميركية من العقوبات تسمح للسعودية ودول الخليج العربية الأخرى بالتجارة مع إيران والاستثمار في اقتصادها.
النجاح ليس مضموناً، لكن اتفاق عام 2023 الذي توسطت بكين في التوصل إليه – والذي يبقى تنفيذه جزئياً فقط حتى الآن – ما يزال يوفر فرصة لتوسيع عملية المصالحة لما فيه مصلحة كلا الطرفين وأيضاً مصلحة السلام والأمن الإقليميين. وينبغي على طهران والرياض أن تستفيدا منه إلى أقصى درجة ممكنة.
رابط التقرير كاملاً باللغة الانكليزية..
https://www.crisisgroup.org/sites/default/files/2024-06/b092-future-of-iranian-saudi-detente.pdf