30 سنة مع مصر
نص اسرئيلي
30 سنة مع مصر
من الصعب ان نقول عبارة "كيف يمر الزمن بسرعة عندما تشعر بالاستمتاع؟" عن السلام المصري - الاسرائيلي. في هذا الاسبوع سيصادف مرور 30 عاما على توقيع اتفاق السلام، ومصر ما زالت دولة مشبوهة. هي لم تجتز بالمرة اختبار "سلام السياحة" ولم يأتِ جموع المصريين للتنزه على سواحل تل ابيب. الكتاب الاسرائيليون لا يظهرون في معرض الكتاب المصري. مبنى السفارة الاسرائيلية في القاهرة تحت الحراسة المشددة والاعين الساهرة ليس من المخابرات فقط بل ومن المثقفين والصحافيين والمصورين المتأهبين دائما لاكتشاف "جاسوس" مصري تمكن من اختراق المبنى وطلب تأشيرة.
ولكن هذا سلام لم يُبن على الحب منذ البداية وانما على الشعار الذي كان وما زال مهماً جدا لاسرائيل: "لا مزيد من الحرب الدموية"، السلام ليس نظيفا من الحرب فقط وانما من تهديداتها ايضا. زعيمة العالم العربي واصلت العلاقات الديبلوماسية حتى عندما احتلت اسرائيل دولة عربية اخرى وهي لبنان وعندما قتلت وجرحت آلاف الفلسطينيين ودمرت مئات المنازل. وبعد ثلاثة عقود من السلام عندما اقترح وزير خارجيتها الموعود ليبرمان قصف سد اسوان وخرجت حكومتها الى حرب في غزة.
من الممكن فقط تخمين كيفية الرد الاسرائيلي لو قامت دولة ما في العالم بالتطاول على ابناء الشعب اليهودي ولو بجزء بسيط بالمقارنة مع ما فعلته اسرائيل بحق الفلسطينيين. وبعد كل ذلك ما زالت مصر تتوج انور السادات بلقب "بطل الحرب والسلام"، ومازال الرئيس مبارك يتحدى قادة عربا متطرفين قائلا: "من يريد ان يخوض الحرب ضد اسرائيل فليفعل ذلك من اراضيه".
مصر من خلال قرار استراتيجي، اصبحت خارج هذه اللعبة. صحيح ان سفير مصر قد لا يشارك في مراسيم احياء مرور ثلاثين عاما على اتفاق السلام لان ليبرمان سيصبح وزيرا للخارجية، وفي مصر نفسها يفضلون الاحتفال بنصر حرب اكتوبر وليس يوم التوقيع، ولكن هذه الدولة ما زالت الساحة الوحيدة التي اوشك على الالتقاء فيها تقريبا رئيس "الشاباك" الاسرائيلي ورئيس الذراع العسكري لـ"حماس".
بارد ام ساخن، هذا سلام اكثر نجاحا من ذاك القائم بين الهند وباكستان، بين سوريا ولبنان، او بين مصر وسوريا. كلها تقيم في ما بينها علاقات ديبلوماسية كاملة مشبعة بمشاعر الكراهية العميقة.
هذا سلام استراتيجي. بين دول وليس بين شعوب. سلام مصالح، يتوافق بالضبط مع نوعية التهديدات التي تطلعت اسرائيل دائما لتبديدها. محكه الانتقالي – مثل السلام مع الاردن والسلام الذي تطلع ارييل للتوصل اليه مع سوريا – ليس في "كمية" التطبيع الذي يتمخض عنه وانما في الاحداث الحدودية التي يمنعها.
التعبير "لسلام بارد" كرس نفسه في القاموس الديبلوماسي الشعبي الاسرائيلي. ولكن من اللافت ان نتساءل كيف كانت اسرائيل سترد لو تزاحم ملايين السياح المصريين الى شواطىء تل ابيب، وبدأوا يغازلون الفتيات الاسرائيليات ويملأون الفنادق. واصبحت العربية والمصرية تتردد في كل زاوية في المجمعات التجارية. وماذا كان سيحدث مع ذلك السلام لو رغب مئات الاف المصريين باستغلاله للعمل في اسرائيل او لو قام رجال الاعمال المصريين بشراء شركات استراتيجية اسرائيلية؟ هل شعرتم بعد حديثي هذا بقشعريرة الخوف والفزع؟ اجل، نحن نريد سلاما دافئا مع مصر ولكن من بعيد. سياح من اسكندنافيا؟ اجل نريد. مشترون للشقق من فرنسا؟ بالتأكيد. المهم ليس من مصر، أي ليس العرب.
يبدو ان الجانبين يتمتعان ببرود السلام. في اسرائيل يعتبر ذلك ذريعة للتكاسل والتقاعس السياسي، لانه لا يجدر من اجل سلام "بارد" كهذا التنازل عن اراض، بينما توفر "البرودة" لمصر درجة من النفور المناسب الذي يتيح لها اظهار نفسها كمحايد متوازن في الشرق الاوسط. حسنا، المهم ان يكون من الممكن ان نحصي ثلاثين عاما اخرى كهذه.
تسفي بارئيل
("هآرتس" ترجمة "المصدر" - رام الله)