هل الحكومة السورية حكومة وحدة وطنية..؟؟
بقلم مدير المركز - حسان قطب
في 23/8/2009، نشرت صحيفة البعث السورية الناطقة باسم الحزب الحاكم في سوريا تقريراً نسبته لوكالة سانا الرسمية حول الوضع السياسي في لبنان والعراقيل التي تواجه تشكيل الحكومة اللبنانية.. ومما أوردته الصحيفة... (شارف الشهر الثاني على بدء تكليف تأليف الحكومة على الانتهاء.. ولا زال هلال الحكومة متواريًا أو لا يمكن الوصول إليه خلال ما تبقى من أيام قليلة، ورؤية ما ستؤول إليه الاتصالات والمشاورات والتدخلات الخارجية... فمن جديد سافر (النائب المكلف) تشكيل الحكومة إلى السعودية تاركًا الساحة الداخلية تتقلب على نار التوقعات والتكهنات ولم يخلُ الأمر من موجة مرتفعة من الاستغراب.. وإذا كانت القوى والأحزاب السياسية قد وجدت في هذا السفر مادة دسمة لمزيد من التحليل والقراءة وربط المحلي بالإقليمي والخارجي، فإن ما بدا لافتًا مجدداً هو دخول أطراف روحية على خط تشكيل الحكومة ودعوتها مجدداً إلى حكومة تمثل «الأكثرية» بعيداً عن مشاركة المعارضة والتوافق والعيش المشترك وهو الموقف الذي قوبل بموجة واسعة من الاستغراب).
ثم أطلت علينا يوم الاربعاء 26 آب 2009.. صحيفة "الوطن" السورية حيث قالت: "إن المهمة التي تنتظر الحريري لن تكون سهلة ابداً خصوصًا أنه مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بحزم أمره والانتقال إلى العمل. فإما يستطيع أن يفرض هيبته ويشكل حكومته برضا كل الافرقاء وإما أن يعلن فشله في انجاز المهمة الملقاة على عاتقه وبالتالي يعتذر عن استكمالها بدلاً من تكرار الهروب عند كل استحقاق يواجهه بذريعة الاجازة التي لا يفترض ان يكون لها موقع بظل بلد دون حكومة اصيلة". وأضافت أنه في "ظل الفراغ الحكومي تتواصل الخروقات الامنية على الساحة الداخلية".
من يقرأ الصحافة السورية يظن أن النظام السوري هو نموذج مثالي للأنظمة الديمقراطية.. حيث تمت الاستشارات النيابية الملزمة قبل تكليف الدكتور العطري بتشكيل الحكومة السورية.. كما قام الأسد باستشارة نواب مجلس الشعب والكتل النيابية السورية التي تمثل كافة أنواع الطيف السوري من أحزاب وطوائف.. وتجمعات أهلية وقوى مدنية.. ومستقلين ثم تدارس هو ورئيس وزرائه المكلف بعيداً عن التجاذب الإقليمي وضغوطات المحاور الدولية قبل إعلان التشكيلة الحكومية التي تمثل كافة القوى السورية.. وآخذين في الإعتبار حجم قوى الأقلية والأقليات والأكثرية النيابية والشعبية وحجم الطوائف السورية والأحزاب السورية. ولكن ليس هذا هو السائد في دمشق.. ولو كان كذلك لقلنا بأن هناك من يشير علينا وينصحنا بانتهاج مسيرته وتبني نهجه.. ولكن يبدو أن النظام السوري الذي يتجاهل طبيعة نظامه... مستمر في اندفاعته نحو التدخل في الشأن اللبناني مستنداً إلى مجموعات من السياسيين الذين لم يعتادوا سوى العمل تحت إمرة قائد أو ضابط.. أو تحت عناوين وشعارات لا تمت إلى الحقيقة أو إلى الواقع بصلة.. وهي القوى نفسها التي تطالب بالمشاركة والعيش المشترك وحكومة الوحدة الوطنية مستندةً إلى دعم النظام السوري لها.. تتجاهل أن هذا الواقع غير موجود البتة في مملكة سوريا الأسد.. حيث يتم التكليف والتعيين والتشكيل برغبة وبقرار دون الأخذ بعين الإعتبار مصالح الشعب السوري بمختلف طوائفة وفئاته وأحزابه.. إضافةً إلى تجاوب أو تناغم صحيفة البعث مع موقف عون في استعمال وصف النائب المكلف بدل الرئيس المكلف.. للتدليل على عمق الترابط في المواقف والمصالح بين قوى لبنانية والنظام السوري.. نرى من المؤسف أيضًا أنه حينما أشارت صحيفة البعث باستياء إلى تدخل المراجع الروحية في لبنان بموقف أو بتصريح.. جاء التجاوب المحلي سريعاً حين رد المرجع الشيعي السيد محمد حسين فضل الله على البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير، من دون أن يسميه، ولا سيما بما يختص مواقفه الداعية إلى تشكيل حكومة من الأكثرية على أن تتولى الاقلية المعارضة... وقال في إفطار الاثنين: "للجهات الدينية التي تعتبر أن مجد لبنان أعطي لها، نقول أنه لم يعط مجد لبنان إلا لشعب لبنان، فقد اعطي هذا المجد للشعب المجاهد المقاوم والذي يعيش القوة". وأضاف فضل الله "من ينادي بضرورة أن تكون هناك اكثرية تحكم واقلية تعارض نسأل: لماذا تحصرون المسألة بالاكثرية النيابية؟". ودعا إلى "إعتماد الاكثرية الشعبية بالاستفتاء الشعبي والديموقراطية العددية وعندها يعطي الشعب كلمته وليس هؤلاء الذين ينطلقون على اساس مئات الملايين من الدولارات التي تعطى من خلال محور عربي من هنا ومحور عربي من هناك ". وأشارت صحيفة "النهار" الى ان كلمة فضل الله القاها مساء الاثنين في افطار "جمعية المبرات للتعليم الديني الاسلامي" ونشرت الثلاثاء في "النهار" مقاطع منها باستثناء مقطع لم يوزع ولكن بثته قناة "المنار" بالصوت والصورة في مقدمة نشرتها المسائية الثلاثاء".
من المستغرب أن يتقدم السيد فضل الله للعب هذا الدور.. وهو يتناقض كليًا مع ما درج على التصريح به والإعلان عنه في كافة المناسبات من ضرورة الحد من حدة التصريحات والتعاون بين جميع القوى والأحزاب والطوائف للنهوض ببلدنا لبنان... ما طالب البطريرك صفير به منطقي وموضوعي.. وهو أن تحكم الأكثرية السياسية وليس الدينية.. حيث يتواجد في كل فريق من قوى المعارضة والموالاة كافة تلاوين ونسيج الطيف اللبناني.. ولم يتحدث البطريرك عن اكثرية مسيحية أو سنية أو شيعية.. ولا أدرى ما الذي استفز السيد فضل الله وهو المعروف بطول أناته ودقة إختياره للكلمات.. أما الحديث عن الملايين من الدولارات فهذا السؤال هو أيضًا برسم من يدافع عنهم السيد فضل الله... والسؤال.. من أين لك هذا هو برسم من يمتلك ترسانة أسلحة لا يمتلكها الجيش اللبناني ولا أي من الأحزاب والطوائف اللبنانية.. إضافةً إلى مؤسات دينية وإجتماعية وأمنية وتعليمية وإنشائية وخدماتية وصحية تعجز عنها الدول الفقيرة وحتى الغنية.. وهي مع الأسف في خدمة طائفة ومجموعة وليس وطن وشعب.. ولست أدري كيف سيفسر لنا السيد فضل الله مصدر هذه الأموال ناهيك عن حجمها... فالتناغم السوري الرسمي مع المحلي الرافض لاستقرار الكيان اللبناني والطامح إلى استمرار منطق السجال والمناكفة والإتهام والإستخفاف بالمرجعيات السياسية والدينية وصولاً لوضع اليد على هذا الوطن ومؤسساته لم يعد مقبولاً من أي جهة أتى أو صدر...
وإذا كان السيد فضل الله والنظام السوري شديدي الحرص على الوحدة الوطنية وعدم الإنجرار إلى الفتنة الطائفية والمذهبية.. وعن اللجوء إلى الإستفتاء لتحديد الأكثرية العددية.. فلماذا لا يطالب السيد فضل الله النظام السوري (البعثي).. بتطبيق هذا الإستفتاء والتعداد.. ولتتشكل حكومة وحدة وطنية في سوريا لمواجهة الخطر الصهيوني الذي يتهدد سوريا أو على الأقل ليتابع جميع السوريين الممثلين في حكومة الوحدة الوطنية جدول المفاوضات السورية الإسرائيلية السرية التي تجري عبر تركيا.... حتى لا يجر طرف بعينه الشعب السوري إلى مواقف غير وطنية.. كما يطالب بذلك مفكر حزب الله نواف الموسوي في لبنان..؟؟.