من حقيبة "النهار" الديبلوماسية: مسؤول سوري يقول، عون تاب والأسد يثق به والجنرال قوي بالكلام ضعيف بالأفعال وعاجز عن طمأنة المسيحيين

تاريخ الإضافة الخميس 25 كانون الأول 2008 - 7:52 ص    عدد الزيارات 793    التعليقات 0

        

بقلم عبد الكريم أبو النصر     
زيارة العماد ميشال عون لسوريا ليست لها فعلا قيمة حقيقية او جدوى سياسية او تأثير ملموس على مسار العلاقات اللبنانية – السورية، ذلك ان الجنرال قام بمهمة خاصة ومن دون ان يحصل على تفويض شعبي مسيحي بأن يعمل على فتح صفحة جديدة مع نظام الرئيس بشار الاسد وفقا للشروط السورية. ويخطئ زعيم "التيار الوطني الحر" تماما اذا تصور انه يكفي ان يرتاح هو شخصيا الى نيات الاسد حيال لبنان لكي يزيل آثار الظلم والقهر السوريين للبنانيين ولكي يطمئنهم الى مستقبلهم. وفي الوقت الذي يقدم عون الولاء لنظام الاسد  وينتقد بقسوة الاستقلاليين الغاضبين من الاعمال والممارسات السورية المختلفة، يعمل الرئيس ميشال سليمان، مدعوما من الغالبية العظمى من ابناء شعبه ومن سائر الدول المعنية بمصير لبنان، على تصحيح العلاقات اللبنانية – السورية واعادة بنائها على اساس المساواة والندية بعيدا من منطق التبعية وبما يؤدي الى تأمين المصالح الحيوية المشروعة للبنانيين والى تعزيز مقومات لبنان المستقل السيد المتحرر من اي خطط سورية وايرانية مهددة لامته واستقراره ومصيره".
هذه هي خلاصة التقويم الذي اجرته جهات اوروبية رسمية لزيارة عون الى سوريا، وذلك استنادا الى معلومات حصلت عليها من بيروت ودمشق وطهران. وركزت هذه الجهات الاوروبية في تقويمها لأبعاد زيارة عون الى سوريا ولخلفياتها واهدافها على المسائل الاساسية الآتية:
أولاً، استقبل النظام السوري عون بحفاوة كبيرة ومقصودة لأنه تخلى عن معركة الدفاع عن استقلال لبنان وسيادته واصبح عنصرا ناشطا في التحالف السوري – الايراني منذ تعميق علاقاته مع "حزب الله" وحلفاء دمشق. ووفقا لما اكده مسؤول سوري لديبلوماسي اوروبي، فان نظام الاسد اصبح يثق بعون لأنه "تاب" ولأنه يقف بشراسة ضد القوى الاستقلالية، ولأنه اصبح يعطي الاولوية لارضاء سوريا، وهذا ينسجم تماما مع المنهج السوري في التعامل مع لبنان، اذ ان نظام الاسد، سواء في عهد الاب او الابن، حارب باستمرار الشخصيات الاستقلالية ومنح "بركته" وصداقته فقط للذين يطيعونه وينفذون تعليماته. وذاكرة اللبنانيين لا تزال حية.
ثانياً، زيارة سوريا هذه تعكس ضعف عون وليس قوة نظام الاسد. ذلك ان الجنرال فقد الكثير من شرعيته الشعبية التي حصل عليها في انتخابات عام 2005 لأنه خاض هذه المعركة آنذاك مدافعا عن استقلال لبنان وسيادته ورافضا بقوة الهيمنة السورية عليه ودولة "حزب الله" المسلحة ومطالبا بحماية المجتمع الدولي لهذا البلد، فاذا به ينقلب كليا على هذه المبادئ والاقتناعات ويصبح حليفا اساسيا للنظام السوري من دون ان يبدل هذا النظام جديا وجذريا سياساته حيال لبنان، واذا به يتبنى كليا استراتيجية "حزب الله" ويريد تحويل لبنان بأسره مجتمعا مقاوما وتوزيع السلاح في مختلف المناطق لمواجهة اسرائيل ومحاولة استعادة منطقة شبعا الصغيرة التي يمكن استعادتها بالوسائل الديبلوماسية ومن دون تدمير لبنان، كما يفعل السوريون بالنسبة الى الجولان. ويخطئ نظام الاسد اذا تصور انه قادر على تكريس من يريد زعيما للمسيحيين، اذ ان زمان الهيمنة ولى وانتهى واصبح اللبنانيون هم الذين يختارون بحرية ووعي ممثليهم وقادتهم، كذلك منحوا الاستقلاليين الغالبية الكبرى من اصواتهم. ويخطئ عون اذا اعتقد انه يستطيع جر المسيحيين وراءه الى دمشق وفقاً للشروط السورية.
ثالثاً، تصرف عون خلال هذه الزيارة وبعدها كأنه متحدث باسم القيادة السورية، اذ طمأن اللبنانيين الى ان "سوريا لن تعود" الى بلدهم، واخذ يشجعهم على اجراء نقد ذاتي لتجربتهم الطويلة مع دمشق، بل وعلى تقديم الاعتذار الى السوريين كأن اللبنانيين هم الذين اخطأوا في التعامل مع سوريا وليس العكس وكأن القوى الاستقلالية هي التي اساءت وتسيء الى سوريا لانها تدافع عن استقلال بلدها وترفض الاغتيالات وعمليات زعزعة الاستقرار المختلفة وتنشد العدالة. ويتجاهل عون كلياً ان النظام السوري هو الذي تعامل مع لبنان على اساس انه محافظة سورية واساء اليه وظلم اللبنانيين واعتمد سياسة الاملاءات في تعاطيه معهم ودفعهم باستمرار الى اعطاء الأولوية لتأمين المصالح السورية وعمل بشكل منتظم على تقليص نفوذ المسيحيين ودورهم بالتعاون مع شخصيات مسيحية مرتبطة به.
عون عاجز عن طمأنة المسيحيين
رابعاً، لعل اخطر رسالة يوجهها عون الى اللبنانيين هي ان المعركة من اجل استقلال لبنان انتهت، وان الذين يتحدثون عن اطماع النظام السوري في هذا البلد مخطئون، وان ما يريح لبنان فعلاً ويطمئن اللبنانيين هو الارتباط الوثيق بنظام الاسد وبحليفه الايراني والابتعاد عن المجتمع الدولي الذي يعمل، بدعم من المجموعة العربية واستناداً الى قرارات مجلس الامن، على توفير وتأمين أوسع قدر من الحماية للبنانيين ولتطلعاتهم ولرفضهم اي نوع من الوصاية السورية عليهم.
خامساً، اراد عون الايحاء ان المسيحيين الذين يمثلهم "غفروا" لنظام الاسد ما قام به ويقوم به، وان مطالبهم منه مختلفة عن مطالب القوى الاستقلالية التي يمثلها فريق 14 آذار والمنتمون الى تيار الرئيس ميشال سليمان. لكن الواقع هو ان هذه الزيارة حددت بوضوح جوهر معركة الانتخابات النيابية التي ستجرى في ربيع 2009 على اساس انها معركة بين الاستقلاليين المدافعين فعلاً عن استقلال لبنان وسيادته ووحدته الوطنية وسلمه الاهلي وبين محور دمشق - طهران الذي يريد فرض هيمنته على هذا البلد واستخدامه بوسائل مختلفة لتعزيز موقع السوريين والايرانيين التفاوضي مع الدول الكبرى بما يتعارض مع مصالح اللبنانيين. وقد تصرف عون خلال زيارته سوريا وبعدها كسياسي يريد ارضاء نظام يظنه قوياً فيبدو مرتاحاً مطمئناً الى مواقفه ازاء لبنان وكأنه يشجع الاسد على المماطلة والتهرّب من تنفيذ الالتزامات والمطالب المتعلقة بلبنان والتي هي حق مشروع للبنانيين.
سادساً، اثبت عون انه سياسي قوي بالكلام، خفيف بالاعمال والافعال، اذ انه تبنى فعلاً كل مواقف "حزب الله" وحلفاء دمشق الآخرين وتوجهاتهم ولم يتمكن من اقناعهم بأي شيء، ودافع عن كل اعمالهم وممارساتهم منذ 2006 الى اليوم ومن ضمنها استخدامهم السلاح والعنف في الصراع السياسي الداخلي وتفجير النزاعات بين اللبنانيين وسعيهم الى اضعاف الدولة ومؤسساتها والجيش، والى فرض استراتيجية المقاومة على اللبنانيين. وعون الضعيف عاجز عن طمأنة المسيحيين وتقوية دورهم، اذ انه ليس قادراً على إلزام نظام الاسد بشيء في الوقت الذي يدعو اللبنانيين الى منح ثقتهم لهذا النظام.
الطائف والمحكمة الدولية
سابعاً، حملة عون على اتفاق الطائف ومطالبته الملحة باجراء تعديلات جذرية فيه وبالتالي في الدستور اللبناني تبدو كأنها ناتجة من حرص زعيم "التيار الوطني الحر" على تعزيز دور المسيحيين ونفوذهم لكنها في الواقع عملية خداع وتمويه متفق عليها مع دمشق وطهران وهدفها الحقيقي إبعاد المسيحيين عن فريق 14 آذار ودفعهم الى الاحتماء بالنظام السوري. ذلك أن حلفاء عون، وعلى رأسهم "حزب الله"، ليسوا راغبين اطلاقا في تعديل اتفاق الطائف لتعزيز مواقع المسيحيين وتقوية نفوذهم وصلاحيات رئيس الجمهورية بل انهم راغبون في تعديل هذا الاتفاق وتعديل الدستور من أجل تعزيز دور الشيعة في تركيبة السلطة وأجهزة الدولة ومؤسساتها من خلال اسقاط المناصفة بين المسلمين والمسيحيين التي ينص عليها الطائف، واعتماد المثالثة بدلا منها اي تقاسم السلطة وتوزيع الصلاحيات والوظائف على أساس حصول الشيعة على الثلث والسنّة على الثلث والمسيحيين جميعا على الثلث. ومثل ذلك يشكل انتقاصا تاريخيا من حقوق المسيحيين واضعافا لهم ليس له سابق. ولو كان عون يريد فعلا تعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية، كما يزعم، لكان وقف الى جانب الرئيس ميشال سليمان وسانده ودعمه بدلا من العمل سرا ضده لأن نظام الاسد يتعامل بحذر شديد مع رئيس الجمهورية الرافض التبعية له، والمنفتح عربيا ودوليا، والمصمم على تأمين المطالب اللبنانية المشروعة وأبرزها: تعجيل عملية تبادل السفراء بين لبنان وسوريا، وضبط الحدود، ووقف تهريب الاسلحة الى قوى لبنانية وفلسطينية متحالفة مع دمشق، وترسيم هذه الحدود، وتكريس لبنانية شبعا خطيا ورسميا لتسهيل استعادتها بالوسائل الديبلوماسية، وحل قضية المفقودين والمعتقلين اللبنانيين في سوريا وتطبيق القرار 1701 لانهاء دور لبنان كساحة مواجهة مفتوحة تخدم السوريين والايرانيين، ومراجعة الاتفاقات غير المتوازنة التي أبرمت في مرحلة الهيمنة السورية، والغاء معاهدة "الاخوة والتعاون والتنسيق" والمجلس الاعلى السوري – اللبناني الذي أنشأ علاقة وحدوية بين البلدين. والملفت للانتباه ان عون يتجاهل او يتجاوز هذه المطالب الاساسية التي يتمسك بها اللبنانيون في غالبيتهم العظمى ويعمل سليمان على تأمينها وتحقيقها في تعاطيه والنظام السوري وفي اتصالاته العربية والدولية الواسعة.
ثامناً، موقف عون السلبي والمستهزئ والمشكك بالمحكمة الدولية المكلفة النظر في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وفي جرائم سياسية وارهابية أخرى، هذا الموقف ينعكس تماما مدى حرص الجنرال على التقرب من نظام الاسد ومحاولة تأمين التغطية له، كما يعكس مدى ابتعاده عن آمال الغالبية العظمى من اللبنانيين في تحقيق العدالة وتأمين الحماية من الاغتيالات والعمليات الارهابية والتخريبية التي استهدفت الشعب اللبناني بأسره وليس فقط الشخصيات الاستقلالية البارزة. ذلك ان المحكمة الدولية، وفقا لمصادر ديبلوماسية أوروبية وثيقة الاطلاع، هي "الهاجس الاكبر" للنظام السوري و"مصدر القلق الرئيسي" له، كما أنها بمثابة "قنبلة موقوتة" يمكن ان تفجر أزمات حقيقية في العلاقات بين سوريا ودول عدة خلال سنة 2009 حين يصدر المدعي العام قراره الاتهامي وتتم ادانة مسؤولين لبنانيين وسوريين بتهمة التورط في جريمة اغتيال الحريري وفي جرائم أخرى. وهذا ما تتوقعه مصادر ديبلوماسية غربية مطلعة على مجرى التحقيق الدولي. لكن عون لن يستطيع ان يحجب الحقيقة مع حلفائه، وان يحمي المسؤولين السوريين واللبنانيين المرتبطين بهم والمتورطين في هذه الجرائم من الملاحقة والمحاسبة الدوليتين، غير ان موقفه من هذه القضية يظهر بوضوح مدى حرصه على تقديم "الولاء" للنظام السوري.
تاسعاً، عون ليس قادرا على اضعاف الرئيس ميشال سليمان مهما فعل لانه لم يعد ذلك "الزعيم المنقذ" الذي اعتقد المسيحيون انهم عثروا عليه فمنحوه ثقتهم الواسعة في انتخابات عام 2005 لكنه خيب آمال الكثيرين منهم اذ اصبح جزءا من المشروع السوري – الايراني الذي يرفضه اللبنانيون في غالبيتهم الواسعة لانه يلحق الاضرار بهم ويضعف وطنهم. وبمقدار ما يبتعد الكثير من اللبنانيين ومن المسيحيين خصوصا عن عون فانهم يتمسكون بميشال سليمان كرئيس توافقي حريص على السلم الاهلي وعلى حماية الوطن وتأمين مصالح اللبنانيين ومطالبهم الحيوية والمشروعة، بينما يبدو زعيم "التيار الوطني الحر" حريصا باستمرار على اشعال الحرائق وتفجير المواجهات والصراعات بين اللبنانيين من دون ان يبدي اهتماما بمصير الوطن وبمستقبل ابنائه، منسجما في ذلك مع الاستراتيجية السورية المستمرة والهادفة الى اضعاف لبنان وتمزيق وحدة ابنائه ورفع الحماية الدولية والعربية التي تؤمنها له القوى الاستقلالية، وذلك كله من اجل تسهيل السيطرة مجددا على هذا البلد بالتعاون مع بعض ابنائه كما حدث في السابق.
ووفقا لما قاله لنا ديبلوماسي اوروبي مطلع، فان العماد ميشال سليمان "هو الذي يجب ان يشرف، وفي الوقت الملائم وفي اجواء سلمية هادئة، على عملية تعديل الطائف والدستور بما يعزز مواقع المسيحيين على اساس المناصفة لا المثالثة، ومن دون الانتقاص من نفوذ السنة والشيعة وصلاحياتهم، لان سليمان رئيس توافقي، ولان اي تعديلات دستورية يجب ان تكون متوازنة وتتطلب بالتالي توافقا حقيقيا بين مختلف الافرقاء اللبنانيين، والا تحولت هذه العملية حربا داخلية تحاول سوريا الافادة منها لكي تتسلل مجددا الى لبنان وتفرض سيطرتها عليه".

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East..

 السبت 11 أيار 2024 - 6:24 ص

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East.. Armed groups aligned with Teh… تتمة »

عدد الزيارات: 156,738,985

عدد الزوار: 7,040,790

المتواجدون الآن: 91